أبقى البنك المركزي المصري أسعار الفائدة دون تغيير، وفق ما أوردته ميريت مجدي وطارق الطبلوي، مع اختيار نهج الحذر بعد تسارع التضخم بصورة غير متوقعة للمرة الأولى خلال خمسة أشهر. حافظت لجنة السياسة النقدية على سعر الإيداع القياسي عند 21% وسعر الإقراض عند 22%، في خطوة عكست قلقًا واضحًا من عودة ضغوط الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة على نحو يهدد مسار التيسير النقدي.

 

أشار تقرير بلومبيرج إلى أن صناع القرار فضّلوا استراتيجية الانتظار والترقب بهدف احتواء الضغوط التضخمية، بعدما صعد التضخم إلى 12.5% في أكتوبر مدفوعًا بقفزة في إيجارات المساكن عقب تعديل قانون قديم قيّد مستويات الإيجار لملايين المستأجرين لعقود طويلة.

 

حذر نقدي وسط ضغوط أسعار متجددة

 

اختار المركزي التريث بدل خفض الفائدة، رغم انقسام توقعات بنوك وول ستريت؛ إذ رجّح أربعة من أصل تسعة اقتصاديين شملهم استطلاع توقّعات القرار كما صدر، بينما توقع آخرون خفضًا بمقدار 100 نقطة أساس. وجاء القرار ليقطع مسار شهرين متتالين من التيسير، بعد أن رفع المركزي الفائدة إلى مستويات قياسية بالتزامن مع خفض قيمة العملة مطلع 2024، ثم خفّضها لاحقًا بإجمالي 625 نقطة أساس منذ أبريل لتحفيز الاستثمار الخاص وتقليل عبء مدفوعات الفائدة التي تستهلك جزءًا كبيرًا من إيرادات الدولة.

 

يعكس الإبقاء على الفائدة توجسًا من ارتفاع تكاليف المستهلكين في بلد يناهز عدد سكانه 110 ملايين نسمة وحصل على حزمة إنقاذ عالمية بقيمة 57 مليار دولار العام الماضي. ورغم تسارع التضخم، بقيت وتيرة نمو الأسعار الاستهلاكية أقل من نصف الذروة القياسية البالغة 38% والمسجلة في سبتمبر 2023، حين بلغت الأزمة المالية قاعها.

 

مخاطر صاعدة وتوقعات حذرة

 

أشار بيان المركزي إلى أن آفاق التضخم تظل عرضة لمخاطر صعودية محلية وعالمية، تشمل تصاعد التوترات الجيوسياسية واستمرار تضخم الخدمات واحتمالات انتقال تأثيرات أكبر من المتوقع لتعديلات الأسعار الإدارية إلى المستهلكين. ورأى صناع القرار أن هذه المخاطر تستوجب مراقبة دقيقة لديناميكيات التضخم وتأثيرها على المسار التوقعي، مع تبني مقاربة حذرة إزاء التيسير.

 

تتوقع الأسواق ضغوطًا إضافية مع انعكاس زيادة أسعار الوقود الأخيرة على قراءة نوفمبر، إلى جانب احتمال رفع جديد لتعريفات الكهرباء مطلع 2026، ضمن إصلاحات مدعومة من صندوق النقد الدولي تهدف إلى تحسين أوضاع المالية العامة. ويرى فاروق سوسة، اقتصادي جولدمان ساكس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن البنك المركزي سيحرص على البقاء قائمًا على البيانات ومتحفظًا على المدى القريب لتعزيز مصداقيته كبنك يستهدف التضخم، ولا يتوقع خفضًا للفائدة قبل الربع الأول من 2026.

 

استقرار جاذبية الدَّين وتدفقات المحافظ

 

يحافظ النهج التدريجي في خفض الفائدة على أحد أعلى المعدلات الحقيقية عالميًا، إذ يبلغ العائد المعدل بالتضخم نحو 8.5%، ما جعل الدَّين المحلي المصري وجهة مفضلة لمستثمري المحافظ الأجنبية الذين ضخوا مليارات الدولارات منذ خفض العملة بنسبة 40% العام الماضي. وفي موازاة ذلك، دعا صندوق النقد الدولي مصر إلى اليقظة عند تقليص الفائدة، محذرًا من حالة عدم اليقين العالمية وتأثيرات تضخمية محتملة ناتجة عن سياسات تجارية أمريكية متشددة.

 

تستعد مصر خلال ديسمبر لإجراء مراجعتين مجمّعتين لبرنامجها الموسع مع صندوق النقد بقيمة 8 مليارات دولار، بما يتيح الوصول إلى شرائح تمويلية قدرها 2.5 مليار دولار عند اجتياز التقييمين. وفي ظل هذا المشهد، توازن السلطات بين دعم النمو وضبط الأسعار، مع إبقاء الباب مواربًا أمام تخفيف مستقبلي مشروط بتحسن مستدام في مؤشرات التضخم واستقرار البيئة الخارجية.

 

يقدّم قرار الإبقاء على الفائدة رسالة مزدوجة إلى الأسواق: التزام صارم باستقرار الأسعار من جهة، واستعداد محسوب للتكيف مع المعطيات من جهة أخرى. وبين هاجس التضخم ورغبة تحفيز الاستثمار، تتقدم السياسة النقدية بخطوات موزونة، حريصة على المصداقية وتوازنات التمويل، في وقت تشهد فيه المنطقة تقلبات تضيف إلى معادلة القرار تعقيدًا يتطلب يقظة مستمرة وحذرًا مدروسًا.

 

https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-11-20/egypt-holds-interest-rates-after-surprise-uptick-in-inflation